الخميس، 14 مايو 2015

الجهاد فرض عين أيها الأبوان لا استئذان في فروض الأعيان



إضاءآت على طريق الجهاد

[الكاتب : يوسف العييري]

أيها الأبوان لا استئذان في فروض الأعيان

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وأهل بيته أجمعين.

وبعد: 

قال ابن قدامه في الكافي 4/256: (وأفضل التطوع الجهاد في سبيل الله نص عليه أحمد، وذُكر له أمر الغزو فجعل يبكي ويقول ما من أعمال البر أفضل منه وأي عمل أفضل منه، والذين يقاتلون في سبيل الله هم الذين يدفعون عن الإسلام وعن حريمهم وقد بذلوا مهج أنفسهم، الناس آمنون وهم خائفون، وقد روى أبو سعيد الخدري قال قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال "مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله" متفق عليه). أهـ. 

هذا قوله رحمه الله في الجهاد إذا كان فرض كفاية، فماذا سيقول إذا تعين الجهاد؟

و إن من معوقات الجهاد في هذا الزمان والتي يسأل عنها عدد كبير من الشباب اليوم الذين تتوق أنفسهم إلى جبهات الجهاد معوق إذن الوالدين، وفيما يلي سنأتي على تفصيل حكم إذن الوالدين في الجهاد، إلا أن الحكم مجملاً قبل التفصيل أن الجهاد إذا تعين كما هو الحال في زماننا الحاضر لمداهمة العدو لأرض المسلمين، ففي هذه الحالة فقد سقط شرط إذن الأبوين للجهاد، فيخرج الولد بغير إذنهما ولا يأثم إن شاء الله.

وفي هذه الورقات فإنني سأخاطب الوالدين وأبين لهما حكم طاعتهما في ترك الجهاد، وأبين لهما حكم الجهاد في زماننا...

فكل أبوين عزما على منع ولدهما أو أولادهما من الجهاد في زماننا، فليعلما أنهما عاصيين لله وذلك بالصد عن سبيله، والله يقول: {الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد {، وليعلم الأبوان أنه لا طاعة لهما في معصية الله وسنورد تفصيل ذلك الإجمال وأدلته من كلام أهل العلم والله ولي التوفيق.

أيها الأبوان: 

إن الإسلام يعاني اليوم من هجمة صليبية يهودية شملت أقطار العالم كلها، وهذه الهجمة اسُتهدف بها الإسلام وأهله من قتل وتشريد وهتك للأعراض، ولا يمكن للأمة أن تخرج من هذا الحال المزري وتخرج من هذا الذل والهوان إلا بأيدي شبابها ورجالها إذا ما أعلوا راية الجهاد ويذلوا أنفسهم وكل ما يملكون لنصرة هذا الدين، وإذا حصل هذا فإننا سنملك الدنيا بأسرها كما ملكها الأولون، لذا فليعلم كل والد ووالدة أن مسئوليتهم في نصرة هذا الدين مسئولية عظيمة، فيجب عليهم أن يجاهدوا بأبنائهم وأموالهم وألسنتهم لينتصر الإسلام وتعز الأمة، لكن للأسف كنا ننتظر منكما أيها الأبوان المسلمان أن تكونا أول من يقدم أبناءه لهذا الدين، فإذا بكما أول من يصد أبناءه عن الجهاد لهذا الدين، واعلما أن الله سبحانه وتعالى لم يجعل لأمركما وزناً إذا خالف أمركما أمره، فطاعتكما واجبة في المعروف وطاعتكما واجبة في طاعة الله، أما في معصية الله فلا، وطاعتكما تقدم إذا لم تعارض طاعة الله فإذا عارضت طاعة الله فإنها تهدر ولا يعتد بها، وسأذكر لكما تفصيل حكم طاعتكما لتعلما أنكما بين أمرين: 

أولهما: أن تطيب نفسيكما بجهاد أبنائكما وتحرضاهم وتحثاهم على الجهاد ولكما مثل أجرهم.

الثاني: تصداهم عن الجهاد في سبيل الله فلكما الإثم وأيضاً لا طاعة لكما، وخير لكما أن تكونا من أصحاب الأمر الأول فتدفعا أبناءكما إلى الجهاد بطيب نفس وطاعة لله، فإنكما ستقدمان على يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

ولعلكما تستنكران قولي وتغضبان من عبارتي ولكني متأكد أني أعني ما أقول، ومتأكد أني أريد ما فهمتما، وإن عارضتماني وستقولان حتماً ما يلي: 

إن طاعة الوالدين واجبة وهي فرض عين، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال - كما في البخاري وغيره - عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: (أحي والداك؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد).

وجاء عند أبي داود ما هو أوضح منه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه بلفظ: (ارجع فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما).

فستقولان هذان الحديثان وغيرهما نص في موطن النزاع ورد لزعمك أنه لا طاعة للوالدين في الجهاد!! وأنا لن أجيبكما ولكن يجيبكما أهل العلم قرناً من بعد قرن، ليبينوا لكما أن تعميم حكمكما على كل زمان أنه خطأ يعارض الأدلة الأخرى.

ومن الأدلة المعارضة لرأيكما ما روى ابن حبان 5/8 عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه: أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال: فقال رسول الله: (الصلاة، قال: ثم مه؟ قال: (ثم الصلاة)، قال: ثم مه؟ قال: (ثم الصلاة) - ثلاث مرات - قال: ثم مه؟ قال: (ثم الجهاد في سبيل الله)، قال: فإن لي والدين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (آمرك بوالديك خيراً)، فقال: والذي بعثك نبياً لأجاهدن ولأتركنهما، قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فأنت أعلم).

وبناء ً على هذا الحديث قال ابن حجر في الفتح 6/140: (قال جمهور العلماء يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما، بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين عليه والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن ويشهد له ما أخرجه بن حبان.. ثم ذكر الحديث المتقدم وقال.. وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين، وهل يلحق الجد والجدة بالأبوين في ذلك؟ الأصح عند الشافعية نعم).

قال محمد الزرقاني في شرحه على موطأ مالك في شرح الزرقاني 3/20: (قوله "فبرهما" قال الجمهور؛ يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا إذن، ففي ابن حبان)... ثم ذكر الحديث المتقدم.

قال الشوكاني في الدراري المضية 1/481: (وأما اعتبار إذن الأبوين فلحديث عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحيٌّ والداك؟" قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد"، وفي رواية لأحمد وأبي داود وابن ماجة، قال: يا رسول الله إني جئت أريد الجهاد معك ولقد أتيت وإن والدي يبكيان؟ قال: "فارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما"

وقد أخرج هذا الحديث مسلم رحمه الله تعالى من وجه آخر وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد: أن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: "هل لك أحد باليمن؟"، فقال: أبواي، فقال: "أذنا لك؟" قال: لا، فقال: "ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما".

وصححه ابن حبان وأخرج أحمد والنسائي والبيهقي من حديث معاوية ابن جاهمة السلمى: أن جاهمة أتى النبي صلى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك؟ فقيل: "هل لك من أم؟" قال: نعم، قال: "ألزمها فإن الجنة عند رجليها"، وقد اختلف في اسناده اختلافا مثيرا.

وقد ذهب الجمهور إلى أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد ويحرم إذا لم يأذنا أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، قالوا: وإذا تعين الجهاد فلا إذن، ويدل على ذلك ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال؟ فقال "الصلاة"، قال: ثم مه؟ قال: "الجهاد"، قال: فإن لي والدين؟ قال: "آمرك بوالديك خيرا"، قال: والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما، قال: "فأنت اعلم"، قالوا وهو محمول على الجهاد فرض العين، أي حيث يتعين على من له أبوان أو أحدهما توفيقا بين الحديثين).

قال ابن قدامة في المغني 9/171: (إذا وجب عليه الجهاد لم يعتبر إذن والديه لأنه صار فرض عين وتركه معصية ولا طاعة لأحد في معصية الله، وكذلك كل ما وجب مثل الحج والصلاة في الجماعة والجمع والسفر للعلم الواجب، قال الأوزاعي: لا طاعة للوالدين في ترك الفرائض والجمع والحج والقتال لأنها عبادة تعينت عليه فلم يعتبر إذن الأبوين فيها كالصلاة، ولأن الله تعالى قال: {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا{، ولم يشترط إذن الوالدين).

قال الخرقي في مختصره 1/128: (قال أحمد: وإذا كان أبواه مسلمين لم يجاهد تطوعاً إلا بإذنهما وإذا خوطب بالجهاد فلا إذن لأبويه وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركها).

قال على بن حسن المرداوي الحنبلي في الإنصاف 2/109: (وظاهر كلام الأصحاب في الجهاد - أي إذا تعين - حيث قالوا لا طاعة لهما في ترك فريضة، وكذا حكم الصوم لو دعواه أو أحدهما إلى الفطر).

قال ابن قدامه في الكافي 4/253: (ويتعين الجهاد في موضعين: 

أحدهما: إذا التقى الزحفان تعين الجهاد على من حضر، لقوله تعالى: }يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا}، وقوله تعالى: {إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار}.

الثاني: إذا نزل الكفار ببلد المسلمين تعين على أهله قتالهم والنفير إليهم ولم يجز لأحد التخلف، إلا من يحتاج إلى تخلفه لحفظ الأهل والمكان والمال ومن يمنعه الأمير الخروج لقوله تعالى: {انفروا خفافا وثقالا{، ولأنهم في معنى حاضر الصف فتعين عليهم كما تعين عليه.

ومن كان أحد أبويه مسلما لم يجز له الجهاد إلا بإذنه، لما روى ابن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أجاهد؟ قال: "لك أبوان؟"، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد"، قال الترمذي: "هذا حديث صحيح"، ولأن الجهاد فرض كفاية وبرهما فرض عين فوجب تقديمه فإن كانا كافرين فلا إذن لهما لأن أبا بكر الصديق وأبا حذيفة بن عتبة وغيرهما كانوا يجاهدون بغير إذن آبائهم ولأنهما متهمان في الدين...)، ثم قال: (... ومتى تعين الجهاد فلا إذن لأبويه لأنه صار فرض عين فلم يعتبر إذنهما فيه كالحج الواجب، وكذلك كل الفرائض لا طاعة لهما في تركه، لان تركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الله، كالسفر لطلب العلم الواجب الذي لا يقدر على تحصيله في بلده ونحو ذلك) .

قال ابن مفلح في المبدع 3/316 بعد أن ذكر أن قول أكثر العلماء منع الولد من الخروج إلى الجهاد إلا بإذنهما إذا كان فرض كفاية، ثم قال: (إلا أن يتعين عليه الجهاد فإنه لا طاعة لهما في ترك فريضة).

قال الشوكاني في فتح القدير 4/193: ({وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما}، أي طلبا منك وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك به علم بكونه إلها فلا تطعهما فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعبر بنفى العلم عن نفي الإله لأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه، فكيف بما علم بطلانه؟ وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له، فعدم جوازها مع مجرد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصى الله سبحانه فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).

وقال الشوكاني في نيل الأوطار 8/40: (قوله "فإن أذنا لك فجاهد" فيه دليل على أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذ منع منه الأبوان أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية، فإذا تعين الجهاد فلا إذن).

بل إن الشافعي ذهب إلى أنه لا طاعة للوالدين في الجهاد إذا كان فرض كفاية، وذلك حينما يعرف من الوالدين أو أحدهما نفاقاً أو كفراً أو بغضاً لشعيرة الجهاد وكرهاً لأهلها.

قال الشافعي في الأم 4/163: (وإذا كان يؤمر بأن يطيع أبويه أو أحدهما في ترك الغزو فبين أن لا يؤمر بطاعة أحدهما إلا والمطاع منهما مؤمن...)، ثم قال: (... فإذا كانا على دينه فحقهما لا يزول بحال ولا يبرأ منه بوجه وعليه أن لا يجاهد إلا بإذنهما وإذا كانا على غير دينه، فإنما يجاهد أهل دينهما فلا طاعة لهما عليه في ترك الجهاد – إذا كان فرض كفاية - وله الجهاد وإن خالفهما والأغلب أن منعهما سخط لدينه ورضا لدينهما لا شفقة عليه فقط وقد انقطعت الولاية بينه وبينهما في الدين، فإن قال قائل فهل من دليل على ما وصفت قيل جاهد ابن عتبة بن ربيعة مع النبي صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد وأبوه مجاهد النبي صلى الله عليه وسلم فلست أشك في كراهية أبيه لجهاده مع النبي صلى الله عليه وسلم وجاهد عبدالله بن عبدالله بن أبي مع النبي صلى الله عليه وسلم وأبوه متخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد ويخذل عنه من أطاعه مع غيرهم ممن لا أشك إن شاء الله تعالى في كراهتهم لجهاد أبنائهم مع النبي صلى الله عليه وسلم إذا كانوا مخالفين مجاهدين له أو مخذلين، قال الشافعي رحمه الله تعالى وأي الأبوين أسلم كان حقا على الولد أن لا يغزو إلا بإذنه إلا أن يكون الولد يعلم من الوالد نفاقا فلا يكون له عليه طاعة في الغزو).

ولا نقصد بعدم طاعة الوالدين من أجل الخروج للجهاد إهدار حقهما تماماً، ولكن نقول إن كان خروج الولد الوحيد العائل لهما للجهاد، يسبب هلاكاً لهما أو يسبب خروجه ردة لهما عن الدين، فإنه يصبح من أهل الأعذار ويجوزله ترك الجهاد بالبدن كما يجوز لغيره من أهل الأعذار، مع الحرص على الجهاد بالمال واللسان، والنصح لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، كما أمر الله تعالى أهل الأعذار بذلك بقوله: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم}. 

علماً أنه يجب تقدير المفسدة بقدرها إذا تعارضت مع مفسدة أعظم يقدرها أهل العلم لكل شخص بعينه، وعن ذلك الحكم.

يقول ابن حزم في المحلى 7/292: (روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا"، بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم أذن الأبوان أم لم يأذنا، إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده فلا يحل له ترك من يضيع منهما).

هذه أيها الأبوان أحكام طاعتكما إذا عارضت طاعة الله وأحكام طاعتكما في طاعة الله، فلا طاعة لكما ولا مشورة في فروض الأعيان، وموافقتكما ورفضكما بالنسبة للفعل لا تقدم شيئاً ولا تأخر، إنما موافقتكما خير لكما ورفعة عند الله، ورفضكما سخط من الله وعذاب والعياذ بالله.

ولعلكما تشكان اليوم في حكم الجهاد وهل هو فرض عين أم فرض كفاية، وقطعاً للشك باليقين فإني سأختصر عليكما عناء سؤال أهل العلم وسأنقل لكما إجماع الأمة واتفاق المذاهب الأربعة لأهل السنة على تعين الجهاد في مثل حالنا اليوم.

وقبل أن أنقل ذلك أريد أن أوضح لكما ما هي البلاد التي داهمها العدو من بلاد الإسلام.

فأقول: إن أي بلد رُفعت فيها راية الإسلام ودخلها جند الإسلام فاتحين وحكّموا فيها الشريعة ليوم أو لعام أو لقرن فإنها تعد دار إسلام، فإذا اجتاحها العدو وغيّر أحكامها وحكمها بالكفر فتحولت بذلك من دار إسلام إلى دار كفر، ففي هذه الحالة نعدها بلاد إسلام اجتاحها العدو والواجب على المسلمين جهاد العدو حتى تستنقذ من يده تلك البلاد، وأذكر لكما بعض البلدان التي ينطبق عليها ذلك وأولها الأندلس، وفلسطين وبلاد البلقان وبلاد القوقاز وبلاد ما وراء النهر (الجمهوريات السوفيتية سابقاً) وعدد من دول شرق آسيا، وأرتريا، والصومال، وإيران ولبنان وسوريا، وجزء من غرب الصين، وغيرها كثير وعدد يطول حصره من البلدان التي انطبق عليها القول بأن العدو داهمها وأحالها بعدما كانت إسلامية إلى دول كفرية، ولعلي أنقل لكما حكم الجهاد اليوم بناءً على ذلك الواقع.

لقد أجمع العلماء على أن أحد الحالات التي يتعين فيها الجهاد هي إذا ما دخل العدو بلاد الإسلام فإن الجهاد يصبح في هذه الحالة فرض عين لا يجوز التخلف عنه بعد أن كان فرض كفاية، وقد نقل ذلك الإجماع كل الفقهاء من جميع المذاهب، وقد دخل العدو بلاد الإسلام منذ قرون فأصبح الجهاد فرض عين، ولا إذن للوالدين فيه.

فمن الأحناف: 

قال الكاساني في بدائع الصنائع 7/97: (فأما إذا عم النفير بأن هجم العدو على بلد فهو فرض عين يُفترض على كل واحد من آحاد المسلمين ممن هو قادر عليه لقوله سبحانه وتعالى: {انفروا خفافاً وثقالاً}، قيل: نزلت في النفير، وقوله سبحانه وتعالى: {ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه {، ولأن الوجوب على الكل قبل عموم النفير ثابت، لأن السقوط عن الباقين بقيام البعض به، فإذا عم النفير لا يتحقق القيام به إلا بالكل، فبقي فرضاً على الكل عيناً بمنزلة الصوم والصلاة فيخرج العبد بغير إذن مولاه، والمرأة بغير إذن زوجها، لأن منافع العبد والمرأة في حق العبادات المفروضة عيناً مستثناه عن ملك المولى والزوج شرعاً، كما في الصوم والصلاة، وكذا يباح للولد أن يخرج بغير إذن والديه، لأن حق الوالدين لا يظهر في فروض الأعيان كالصوم والصلاة والله سبحانه، وتعالى أعلم).

ومن المالكية: 

قال ابن عبد البر في كتابه الكافي 1/205: (فرض عام متعين على كل أحد ممن يستطيع المدافعة والقتال وحمل السلاح من البالغين الأحرار، وذلك أن يحل العدو بدار الإسلام محارباً لهم، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً شباباً وشيوخاً، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج مقل أو مكثر، وإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم وكان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا - قلوا أو كثروا - على حسب مالزم أهل تلك البلدة حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهم، لزمه أيضاً الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها واحتل بها سقط الفرض عن الآخرين، ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلها لزمهم أيضاً الخروج).

ومن الشافعية: 

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم 8/63: (قال أصحابنا: الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد المسلمين فيتعين عليهم الجهاد، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية).

ومن الحنابلة: 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (الاختيارات) 4/520: (وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم...)، وقال: (وإذا دخل العدو بلاد الإسلام فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب، إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأنه يجب النفير إليه بلا إذن والد ولا غريم ونصوص أحمد صريحة بهذا).

ونخلص في نهاية المطاف أيها الأبوان الكرام؛ إلى أن الجهاد تعين ووجب النفير ولا إذن لكما لأن طاعتكما محرمة في معصية الله.

وأيها الأبوان هلا أجبتما عن سؤالي: هذه فلسطين حل العدو بها ولم يستطع أحد على دفعه لا من قريب ولا من بعيد فهل يكون الجهاد حتى اليوم فرض كفاية؟ وهذه الأندلس حل العدو بها منذ قرون وكذلك الشيشان وكشمير والفلبين وبورما وأرتيريا وغيرها من أقطار المسلمين كثير، كلها احتلها العدو فأزال معالم الدين منها وأذل المسلمين واستضعفهم وسامهم سوء العذاب، حتى انتهى بنا الحال لنرى الحملة الصليبية تشن من جديد على أفغانستان، فهل بعد ذلك نقول إن الجهاد فرض كفاية وطاعتكما بالقعود أوجب منه؟ لقد قلنا كفاية حتى ذقنا من الذل ما فيه الكفاية.

والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين